استخدام المنهج المعياري والمنهج الايجابي في البحث المحاسبي وبناء معايير
المحاسبة وتحليل بواعث الادارة في تبني السياسات المحاسبية(*)
د. محمد شريف توفيق
استاذ المحاسبة – كلية التجارة جامعة الزقازيق – مصر
2006 تهتم الكثير من دول العالم بتنظيم السياسة المحاسبية من خلال اصدارمعايير المحاسبة. ويتزايد هذا الاهتمام – بصفة عامة – بهذا المجال الوطنيالهام من منطلق ان تنظيم االسياسة المحاسبية علي مستوي المجتمع بؤدي اليتنظيم الممارسات المحاسبية بحيث تحقق نفعا عاما للمجتمع. ويتمثل هذا النفعفي توفير الاداة المناسبة لقياس نتائج النشاطات الاقتصادية لوحداتالمجتمع، ثم عدالة ايصالها الي الاطراف او الطوائف المعنية بهذه النشاطات.وهذا في مجمله يؤثر بصفة مباشرة علي اتخاذ العديد من القرارات المرتبطةبحجم ونوعية النشاط الاقتصادي الكلي.
وفي مجال بناء معايير تنظيم السياسة المحاسبية عادة ما تواجه الجهةالمعنية ببناء االمعايير بعدة بدائل تتركز من ناحية علي الاستراتيجيةالعامة التي ستتبع في التنظيم، وهي تتراوح عادة بين التوحيد الجزئيوالتوحيد شبه الكامل لمقومات المحاسبة المالية (تجربة النظام المحاسبيالموحد المصري). ومن ناحبة اخري تتناول – بصفة تفصيلية - اسلوب التنفبذ منحيث تحديد الجهاز الذي سبعني بتنظيم السياسة المحاسبية ومسئولياتهوتنظيمه، وتحديد اولوية ونوعية المعايير التي يتعين بناؤها، واخيرا تحديدالاسلوب الذي سيتبع في بناء المعايير من حيث توصيف اجراءات الاصداروتفاصيل كل معيار من حيث المكونات ونطاق التطبيق والسريان (1).
وعلي الرغم من ان قضية بناء المعايير المنظمة للسياسة المحاسبية تشكلاهمية قصوي للمجتمع – لما لها من اثار مباشرة علي قرارات التخطيطوالاستثمار والتمويل والرقابة علي استخدام الموارد في النشاطات الاقتصادةالقومية – الا ان تقدم سبل القياس والاتصالات في مختلف مجالات المعرفة لمتستطع ان توفر اي وسيلة مناسبة يمكن بها التعرف علي الاسلوب الامثل لبناءالمعايير او تحديد التصور الكلي او الجزئي لبناء السياسة المحاسبيةللمجتمع. لذلك فأنه ليست هناك حلولا جاهزة لتنظيم السياسة المحاسبية وعادةما يستخدم المنهج المعيارى في هذا الشأن، وانما قد يكون من المناسب بناءالمعايير من منطلق ظروف وواقع الممارسة الفعلية بالمجتمع.
وتقديرا من الحكومتين المصرية والسعودية للدور الحيوي الذي تلعبهمعايير المحاسبة في خدمة الاقتصاد القومي – اتخذتا قرار تنظيم السياسةالمحاسبية لهما وذلك من خلال اصدار معايير الجهاز المركزي للمحاسباتومعايير وزارة الاقتصاد (في ضوء المعايير الدولية للمحاسبة) للحكومةالاولي، ومعايير المحاسبة والمراجعة والمعايير الخليجية للحكومة الثانية.كما اهتمت الحكومتان نسبيا بانشاء مواقع للانترنت لعرض بعض هذه المعايير(2). ويؤخذ علي الحكومة الاولي صدور المعايير من جهتين حكوميتين مستقلتينوكترجمة للمعايير الدولية وعدم ظهور المعايير التي اصدرتها وزارة الاقتصادعلي موقع مستقل للانترنت وعدم استناد المعايير علي اي اطار فكري مناسب،ويؤخذ علي الحكومة الثانية عدم نشر معاييرها بنمط PDF ووقوعها بينالمعايير الوطنية والمعايير الخليجية وكلاهما استند لحد بعيد علي المعاييرالامريكية (3).
وبالقاء الضوء علي تجارب الدول السابقة في مضمار بناء معاييرالمحاسبة نجد انها بدأت تتخذ طابعها المميز – في صورة ضوابط متكاملةللمزاولات – اعتبارا من السيعينات في االقرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت تكادمناهج بناء المعايير قد تركزت علي استخدام المنهج المعياري (القياسي اوالاستنباطي او الاستدلالي Normative) ، منهج تبني المعايير الدولية، ومنهجتبني المعايير المعمول بها في احدي الدول السابقة في هذا المجال. وتقديرامن ان المنهجين الاخيرين يعملان علي استيراد معايير اجنبية والعمل احياناعلي تطويعها لتناسب مع ظروف الدولة التي ستطبق بها كما في حالة مصر - وهوبديل لم تتبناه السعودية – فيمكن القول ان المنهج الاساسي في بناءالمعايير (بما فيها الدولية) يتمثل في المنهج المعياري. وبالنسبة للولاياتالمتحدة بصفة خاصة فقد استخدمت هذا المنهج في بناء الاطار الفكري للمحاسبةلها في نهاية السبعينات وايضا في محاولات التنظير التي سبقته، الا انالولايات المتحدة حاليا بصدد اعادة النظر في هذا الاطار بعد الاتجاهالواضح حاليا لعولمة المعايير الدولية للمحاسبة (4). كما ان هذا المنهجاعتمدت عليه السعودية في بناء معايير اهداف ومفاهيم المحاسبة بها.
وعلي الرغم مما اظهره المنهج المعياري من نجاح نسبي تمثل من ناحية فيسيطرته علي محاولات التنظير المحاسبي لفترة طويلة، ومن ناحية اخري في بناءبعض معايير المحاسبة – الا ان هذا المنهج يمكن ان يؤخذ عليه عدة ماخذاهمها : بنائه لمعايير المحاسبة من منطلق اهداف شمولية لقطاعاتالمستخدمين، وذلك علي الرغم من ان الدراسات الاختبارية للمؤلف وغيره اوضحتعدم تجانس احتياجات هذه القطاعات (5)، تركيزه علي الصلاحية الداخليةالمتمثلة في الاتساق الداخلي بين عناصره وذلك علي حساب افتقاده الكاملللصلاحية الخارجية (الاختبارية)، بنائه للمعايير من نموذج مغلق (ما يجب انيكون) يفتقد للملاحظة الواقعية والتجريب ومراعاة للبواعث المختلفة التيتدفع الادارة لاتخاذ قرارات اختيار السياسات المحاسبية المطبقة. وهذهجميعا اعتبارات يتعين اخذها في الاعتبار في مختلف مراحل تنظيم السياسةالمحاسبية وخصوصا في حالات غياب المعايير المنظمة للمزاولات او قبل اتخاذقرارات سريانها او في مراحل تطويرها او حتي في حالات وجودها مع السماحباكثر من بديل واحد للتطبيق.
ومع نهاية السبعينات اتجه البحث امحاسبي بخطي واسعة نحو استخدامالمنهج الايجابي Positive Approach (الاستقرائي) في مجالات التنظيرالمحاسبي وتحليل بواعث الادارة في تبني السياسات المحاسبية. وقد استخدمالمنهج في هذا الشأن الطريق العلمية (الملاحظة وصياغة الفرضيات واختبارهابالاساليب العلمية) في تحليل العلاقات المركبة والمتداخلة بين قراراتالتقرير المحاسبي المالي والعوامل الاقتصادية المؤثرة علي رفاهة الاطرافالمشاركة في اعداد تلك التقارير. وفيما يتعلق باستخدام النظرية الايجابيةPositive Theory مع المعايير المحاسبية فقد تركزت البحوث في هذا الشأن عليتقيم البواعث الاقتصادية لتبني طرق محاسبية معينة صدر بالفعل بشأنهامعايير محاسبية في الولايات المتحدة ، وتم تقبييم تلك البواعث – بدراساتاختبارية وتجريبية – قبل سربان هذه المعايير (6).
والواقع ان النتائج التي توصلت اليها الابحاث في مجال استخدام المنهجالايجابي في دراسة البواعث الاقتصادية لعملية الاختيار المحاسبي قد اثبتتصحة معظم فرضيات هذا المنهج في الولايات المتحدة، وهي بيئة محاسبية وصلتالي درجة عالية من التقدم والتطور سواء علي مستوي الممارسة او علي المستويالاكاديمي. ولكن لم يسبق استخدام المنهج الايجابي او اختبار فرضياته خارجالولايات المتحدة خاصة في الدول التي تختلف فيها درجة التقدم والتطورالمحاسبي ، مما يمكن ان يظهر دورا مؤثرا لعوامل اخري غير اقتصادية (بيئية)علي عملية الاختيار المحاسبي. وبمعني اخر يمكن القول ان معظم الدراساتالايجابية التي تمت في هذا المجال حتي الان قد افترضت انعدام اثر العواملغير الاقتصادية، واهمها اثر الاعتبارات البيئية للممارسات المحاسبية وذلكسواء في دراسة بواعث تبني السياسات المحاسبية او بناء معايير المزاولات -خصوصا في الدول التي ما زالت مهنة المحاسبة فيها في دور التطوير والتكوين– حيث ينتظر ان يلعب العرف المحاسبي وغيره من البواعث البيئية دورا يمكنان يكون مؤثرا في هذا الاختيار.
وتقديرا من وجود بعض جوانب القصور في المنهج المعياري، فقد عني البحث(االمذكور في *) باجرء دراسة اختبارية علي التقارير المالية التي نشرتهاالشركات المساهمة السعودية طبقا للمنهج الايجابي (بعد تطوير فرضياتهلتناسب ظروف التطبيق في السعودية) وذلك بهدف تقديم التوصيات المناسبةلاستكمال بناء معايير المحاسبة. وبناء عليه قام الباحثان بتطوير الفرضيةالاساسية للمنهج الايجابي لتلائم الظروف البيئية للدول التي ما زالت فيهامهنة المحاسبة في طور التكوين والتطوير الي:
"تلعب كل من العوامل البيئية والاقتصادية دورا مؤثرا في عملية اختيار السياسات المحاسبية المطبقة بالشركات المساهمة السعودية".
وتتمثل اهمية هذا التطوير في انه في حالة اثبات صحة هذه الفرضيةالرئيسية (والفرضيات الفرعية المنبثقة عنها وتشمل اثر اولا: التكاليفالسياسية وتتضمن الحجم – كثافة راس االمال – درجة التركيز الصناعي –الملكية الحكومية – اتجاه الربحية، ثانيا: تكلفة التعاقدات وتتضمن عقودحوافز الادارة المعتمدة علي ما تحققه المنشأة من ارباح – عقود المديونية ،ثالثا : اثر البيئة المحاسبية وتتضمن العرف المحاسبي - درجة التحفظ - موقفمراقب الحسابات ) بالطرق العلمية للمنهج الايجابي كالانحدار Regression،فأن الامر يستوجب مراعاة العوامل البيئية والاقتصادبة مجتمعة عند بناءمعايير المزاولات المحاسبية. كما يود المؤلف الاشارة الي ان البحث المذكورقد شمل في قسمه الاول عرضا نظريا متكاملا لتفسير المنهج الايجابي لعمليةالاختيار المحاسبي ، مستخدما في ذلك كل من البواعث الاقتصادية والعواملالبيئية. كما ان اسلوب الانحدار المناسب قد استخدم في اختبار الفرضياتفيما يتعلق بالسياسات المحاسبية التالية كمعايير مقترحة (من حيث معنوية اودلالة المتغيرات المفسرة او المستقلة بالمتغير التابع المعبر عنالاستراتيجية المحاسبية المستخدمة، ومقارنة الاتجاه المتوقع لاشارة كلمتغير مفسر طبقا للمنهج الايجابي مع الاتجاه الفعلي للاشارة في الدراسة):
1. سياسات تقويم المخزون.
2. سياسات حساب استهلاك الاصول الثابتة.
3. سياسات معالجة مصروفات التأسيس والبحوث والتطوير.
4. سياسات معالجة الاستثمارات في الاوراق المالية.
5. سياسات معالجة مكاسب وخسائر ترجمة العملات الاجنبية.
6. سياسات معالجة الزكاة.
وقد اظهر البحث ان العوامل البيئية المتمثلة في رأي مراقب الحساباتودرجة التحفظ شكلت اكثر العوامل تأثيرا علي قرارات اختيار الشركاتلسياساتها المحاسبية، وهي عوامل تختلف عن تلك التي اثبتت الدراساتالاختبارية للمنهج الايجابي تأثيرها علي قرارات اختيار السياسات المحاسبيةللشركات الامريكية. اما بالنسبة لتأثير العوامل الاقتصادية علي عمليةالاختيار المحاسبي، فقد اثبت البحث وجود بعضها ولكن بتأثيرات متباينة عنهافي الولايات المتحدة. وهي كلها تمثل اعتبارات علي قدر كبير من الاهميةيتعين مراعاتها عند بناء المعايير. من ناحية اخري فأن هذه الدراسة تشكل فيواقع الامر اول استخدام واقعي للمنهج الايجابي – خارج الولايات المتحدة -سواء بصورته الحالية او المطورة كمنهج معاون في بناء المعاير المحاسبية.
الهوامش والمراجع
(*) مستخلص من:
محمد شريف توفيق وحمدي محمود قادوس، "دراسة اختبارية لاستخدام المدخلالايجابي في بناء المعايير المحاسبية في المملكة العربية السعودية"، مجلةالادارة العامة (الرياض: مجلة الادارة العامة، العدد 72، اكتوبر 1991)، ص93 -162.
(1) محمد شريف توفيق، "رؤية مستقبلية نحو المحاور الرئيسية لتطوير بناءالمعايير المحاسبية في المملكة العربية السعودية: منهج تنظيمي للسياسةالمحاسبية علي المستوي الكلي"، مجلة الادارة العامة (الرياض: مجلة الادارةالعامة، العدد 55، سبتمبر 1987)، ص 167 - 235.
(2)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط](3) محمد شريف توفيق، "استرايجيات توفيق المعايير الوطنية والعربيةلتتوافق مع عولمة المعايير الدولية للمحاسبة: تجربة دول السعودية ومصروماليزيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربية" 2005، البحث منشور عليالانترنت بموقع محاسبي تكنولوجيا المعلومات بالعنوان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] (4) المرجع السابق.
(5)
- محمد شريف توفيق، "قياس متطلبات العرض والافصاح العام وتقييم مديتوافرها في التقارير المالية للشركات المساهمة وفي معيار العرض والافصاحبالمملكة العربية السعودية"، مجلة الادارة العامة (الرياض: مجلة الادارةالعامة، العدد 61 ، فبراير 1989)، ص 113-201.
- محمد عباس سراج، "دراسة تحليلية لفاعلية استخدام المدخل المعياريوالمدخل الايجابي في مجال التنظير المحاسبي"، مجلة الادارة العامة(الرياض: مجلة الادارة العامة، العدد 63 ، اغسطس 1989)، ص 157.
(6)
- Mark A. Trombley, "Accounting Method Choice in the Software Industry:Characteristics of Firms Electing Early Adoption of FASB No. 86", TheAccounting Review (July 1989),pp. 529-538.
- Ross L. Watts and Jerold Zimmerman, Positive Accounting Theory (Englewood Cliffs: Prentice-Hall Inc., 1986), pp.3, 14.